حاوره: عبد الله مولود

أبرز النشطاء الحقوقيين في موريتانيا، فهو رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والنقيب السابق للمحامين الموريتانيين، ورئيس المؤتمر الدولي لهيئات المحامين؛ إنه الأستاذ أحمد سالم بوحبيني؛ حاورته «القدس العربي» حول مواضيع متعددة يتقدمها الوضع الحقوقي الفلسطيني، وقضية الرق التي لم تطو بعد في موريتانيا، ومعضلة الإفلات من التعذيب، وشؤون وشجون أخرى.
وتمخض كل ذلك عن الحوار التالي:

*نبدأ بالوضع الحقوقي للشعب الفلسطيني الذي يتعرض منذ عقود لمؤامرة دولية رأس حربتها المحتل الإسرائيلي وعمادها القوى الغربية الواقفة إلى جانبه والمتغاضية عن جرائمه وسندها التطبيع العربي الذي بدأ في كامب ديفيد وتطور للأسرة الإبراهيمية اليوم: ما هي قراءتكم للوضع؟ وهل ترون أن المواجهات الأخيرة قد غيرت خريطة الموقف الشعبي دوليا وعربيا من هذا الصراع؟

**المواجهات الأخيرة في قطاع غزة، أعادت للقضية الفلسطينية ألقها كقضية عادلة كما أظهرت حجم الانقسام العربي، حيث غابت المواقف الموحدة، واختلفت الآراء تجاه الكيفية المثلى للخروج من الأزمة.
وقد خلفت هذه المواجهات دمارا كبيرا في قطاع غزة وأثرت على البنية التحتية بشكل كبير، وأنا شخصيا أدرك حجم هذه الأضرار خاصة أنه سبق لي الشرف أن زرت القطاع، ووقفت ميدانيا على ما تخلفه الآلة الحربية الإسرائيلية الظالمة من خسائر فيه؛ وذلك خلال زيارة تضامن قمت بها رفقة وفد موريتاني هام إلي غزة سنة 2012 الأمر الذي يدفعني اليوم إلى دعوة الدول العربية وكافة الخيريين في العالم للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني و ليواكبوا جهود إعادة الإعمار حتى تعود غزة.
*شاركتم مؤخرا في اجتماع للشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة: ما هي أهمية هذا اللقاء وهل له تأثير في المعركة الحقوقية الفلسطينية المتواصلة منذ عقود؟
**نحن في الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، شجبنا واستنكرنا بشدة جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي ترقى إلى جرائم حرب كما حذرت من مغبة تصعيد قوات الاحتلال لعدوانها وجرائمها وتوسيع عملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين؛ وأكدنا أن صمت المجتمع الدولي وإفلات دولة الاحتلال من العقاب هو ما يشجعها على ارتكاب هذه الجرائم، وأكدنا أن محاسبة المجتمع الدولي لإسرائيل على جرائمها المتكررة التي تقترفها ضد الشعب الفلسطيني على أرضه، سيكون أقل كلفة من التعاطي مع مختلف التداعيات الإنسانية والاجتماعية للعدوان؛ كما دعونا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، خاصة الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين وقت الحرب، وطالبنا الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها إسرائيل في القطاع.
وقد اتفقنا خلال الاجتماع على أهمية وضرورة التركيز على العمل الفني المتخصص لمعالجة الموضوع أي أن يقوم الحقوقيون بدورهم والسياسيون والمحامون بدورهم؛ والشبكة العربية لمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، طبعا، معنية بالموضوع أكثر من غيرها ما دام يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
واتفقنا على أن نعالج الموضوع بالتنسيق والتعاطي مع الهيئات والجهات المعنية على المستوى الدولي مثل لجنة مناهضة التعذيب، واللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري.
*دعت توصية للبرلمان الموريتاني لتفعيل الآليات القانونية الدولية لحماية الشعب الفلسطيني: كيف تتصورون هذا التفعيل؟ وما تعليقكم على تغاضي الجنائية الدولية عن جرائم المحتلين الصهاينة؟
**لا شك انكم تدكون جيدا أن الآليات الدولية التي يمكن من خلالها حماية الشعب الفلسطيني هي الهيئات الأممية المتخصصة مثل المحكمة الجنائية الدولية المختصة في جرائم الحرب وكانت أصوات حقوقية عدة وحتى أممية قد دعت الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق عاجل بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الفلسطيني التي اقترفت خلال العدوان الأخير على غزة والتي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية؛ ونأمل ان يبدأ العالم في تحرك حقيقي لمساءلة إسرائيل وتحميلها مسؤولياتها.
*الوضع الحقوقي في موريتانيا ما يزال غامضا وبخاصة في جانبه الخاص بالرق: والمواقف موزعة بين فسطاطين: أحدهما ينفي وجود الرق ويعتقد أن الموجود هو آثاره؛ والثاني يؤكد وجود الرق ووجود الآثار: هلا نورتم القارئ إزاء هذا الملف المعقد الذي يحوم حوله الكثير من الغموض؟
**لا أشاطركم الرأي فيما يتعلق بضبابية ملف حقوق الإنسان في موريتانيا؛ فأنا أعتقد أنه عرف تطورات مهمة خلال الفترة الأخيرة وهو يسير بخطى ثابتة على الطريق الصحيح.
 وفيما يتعلق بموضوع الرق فقد حظي باهتمام خاص من طرف اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان باعتباره يدخل في صميم مهامها فنحن معنيون بانتهاكات حقوق الإنسان وبترقية حقوق الإنسان.
ومعلوم انه لا يوجد انتهاك حقوقي أخطر ولا أشنع من ممارسة العبودية؛ وهكذا سيرنا قافلة جابت البلاد طولا وعرضا بهدف التحسيس حول الترسانة القانونية الشبه مكتملة التي تحيط بمختلف جوانب الموضوع وبوجود المحاكم المتخصصة وغيرها من الضمانات التي تحول النقاش إلى قضية تطبيق القوانين.
 وقد اعتمدنا مقاربة بهذا الخصوص حاولنا من خلالها عدم الدخول في الجدل بين القطبين اللذين تحدثتم عنهما: قطب الإنكار وقطب الإثبات؛ فنحن نرى أن ظاهرة العبودية المشينة لا يمكن نفيها مطلقا حيث لم تخل منها أي منطقة في العالم بطريقة أو بأخرى ويوجد حاليا حوالي 41 مليون شخص يخضعون للاسترقاق وإن اختلفت مسمياته: فالبعض يطلق عليه العبودية المعاصرة واستغلال الإنسان للإنسان، والمتاجرة بالبشر حيث لا تخلو أي منطقة من الاسترقاق وخاصة المناطق القريبة العهد بممارسة الاسترقاق بصيغته التقليدية.
 ونحن على مستوى اللجنة انطلقنا من مبدأ انه من المفترض أن تكون هناك حالات استرقاق لكنها مثل الجرائم الأخرى من قتل واغتصاب وإتجار بالمخدرات تجب ملاحقة مقترفيها وإنزال العقوبة بهم وأن يطبق عليهم القانون .
وقد رفضنا الدخول في متاهة وجود الاسترقاق من عدمه.
وحول ما إذا كانت هناك حالات كثيرة أو قليلة؛ فقد قمنا فقط بإعداد آلية تمكننا من التحقيق باستقلالية تامة في كل حالة عبودية يتم ذكرها أو الحديث عنها.
هذه الآلية أقمناها بالشركة مع ممثلية الأمم المتحدة في نواكشوط وألحقنا بها منظمات المجتمع المدني الناشطة في المجال ونجدد الدعوة من خلال هذا المنبر للمنظمات الدولية للمشاركة في هذه الآلية وهي مطالبة عبرنا عنها لوفد المنظمات الحقوقية الأمريكية الذي زار موريتانيا مؤخرا بعد أن طالبنا في تقريرنا السنوي بالسماح له بزيارة موريتانيا.
وهكذا حولنا العمل من النقاش العقيم حول وجود الاسترقاق من عدمه إلى عمل ميداني موضوعي يقوم على البحث عن حالات العبودية ومعالجة وضعها ونعتبر أننا طوينا الجدل البيزنطي حول الموضوع فلا داعي للحديث خارج البلاد عن وجود عبودية في موريتانيا، وإنما على أي شخص يعلم بوجود حالة عبودية الاتصال بهذه الآلية التي تمتلك الكفاءة والاستقلالية والتكوين.
ولا تقف مقاربة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان فقط عند حالات العبودية فقط بل ترى ان هناك شرائح في وضعية اقتصادية خاصة حيث يطحنهم الفقر والهشاشة مما يجعلهم عرضة للاستغلال من طرف آخرين وطالبنا بحلول اقتصادية تسمح بإعادة دمجهم في الحياة النشطة حتى لا تختطفهم دائرة العبودية المعاصرة.
*سلمتم مؤخرا التقرير السنوي للجنة الوطنية لحقوق الإنسان إلى الرئيس الغزواني: ما هي استخلاصات اللجنة في هذا التقرير؟ وهل لكم ان تقارنوا بين هذه السنة الحقوقية وسابقاتها؟
**سلمنا التقرير السنوي لرئيس الجمهورية قبل أيام وهو يشكل قطيعة تامة مع التقارير السابقة: حيث تميز باستقلالية كبيرة كانت تنقص التقارير السابقة.
وقد بدأنا نجني ثمار استقلاليتنا على المستوى الدولي حيث ترقينا إلى تصنيف الفئة «أ» التي تعتبر أعلى تصنيف لمنظمات حقوق الإنسان حسب استقلاليتهم وجدارتهم.
وقد تناول التقرير السنوي للجنة جميع الحالات الحقوقية دون تحفظ أو مواربة حيث ثمنا ما يجب تثمينه وأبرزنا النواقص ودعينا إلى تسويتها والتعاطي معها وتقدمنا بتوصيات كفيلة بتجاوز المعضلات المطروحة في الميدان ونعتبر أن تقريرنا السنوي كان تقريرا جسد استقلالية اللجنة وطرح الإشكالات الحقوقية وتعرض لمواضيع أصلا كانت تعد تابوهات كالعبودية والحالة المدنية والإرث الإنساني والمظاهرات وقمع المظاهرات وغير ذلك.
ونعتبر أن الفضل في الاستقلالية التي جسدها التقرير يرجع بالأساس للدولة التي وفرت هذا المناخ الذي سمح لنا بالعمل بكل حرية ولم ترفض لنا أي فكرة أو تدخل بل على العكس من ذلك طلبت منا القيام بعملنا بكل حرية وبكل استقلالية لإنارة طريقها في التغلب على الإشكاليات الحقوقية وبالتالي لا حرج لديها في أن تثار وتطرح المشاكل الحقوقية وهو ما يسمح لنا نحن بالاستغناء عن المنظمات الدولية في طرح مشاكلنا حيث أصبحنا نحن من نطرح مشاكلنا ونبحث لها عن حلول؛ وهذا التقرير وضعنا في الوضعية الحقوقية الطبيعية فكل دول العالم لديها اختلالات وانتهاكات ونواقص في مجال حقوق الإنسان؛ والمهم أن يكون البلد معترفا بهذه الوضعية وألا ينكرها وأن يسعى للتغلب عليها وأن يمتلك الوسائل اللازمة لذلك.
**تتحدث تقارير حقوقية عن ممارسة التعذيب بشكل مروع داخل السجون الموريتانية وعن ضيق وتلوث السجون: كيف ترون هذه الوضعية؟
**التعذيب بالشكل المروع الذي تحدثتم عنه لا أعتقد انه يحدث في السجون الموريتانية، وإن كانت تذكر حالات من الإهانة أو سوء المعاملة؛ واللجنة قد تصدت لهذه الحالات، وذكرتها في تقريرها ولعبت الدور المنوط بها كلما ذكرت حالة تعذيب، وطالبت بإنزال العقوبات بالمسؤولين عنها وهو ما تم فعلا.
أما فيما يخص وضعية السجون فلا شك أنها تحتاج إلى لفتة عاجلة؛ وقد تحدثنا في تقريرنا عن النقص الكبير في ظروفها رغم التحسينات التي قامت بها وزارة العدل السنة الماضية.
*تشكو الأقليات الزنجية الموريتانية من الإقصاء ومن صعوبة الحصول على الأوراق المدنية: ما وجه الحقيقة في هذا؟
**بخصوص ما يتم الحديث عنه من إقصاء من الحالة المدنية على أسس تميزية، فقد اعتمدنا على مستوى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، آلية اتصال مباشر مع المندوبية المكلفة بالحالة المدنية تمكننا من طرح قضية أي شخص أو مجموعة من الأشخاص تعتبر أنها محرومة من التسجيل لأسباب تمييزية وذلك بشكل مباشر وسريع وفي أغلب كل الحالات يبين لنا مسؤولو الحالة المدنية وجود بعض النواقص في الملف، وهو ما يمنع صاحبها من التسجيل وما زلنا نبحث عن حالة يكون ملف صاحبها مكتملا وعندما نجدها سنطرحها ونفرض تسجيل صاحبها لأن لكل مواطن الحق في الحالة المدنية ولا يحق لأحد منعه منها، بل ومن غير المقبول أن يكون هناك شخص ما زال يطالب بالاعتراف له بحق المواطنة الأمر الذي سيؤدي لضياع كل حقوقه الأخرى.
*يشكو الكثيرون من قضية الإفلات من العقاب: ما حقيقة ذلك وما هو موقف لجنتكم منه؟
**نحن نلعب دورا كبيرا في الحد من الإفلات من العقاب لأن دولة القانون لا يمكن أن تستقيم دون تطبيق القواعد القانونية وتطبيق القانون على الجميع وتحميل كل فرد المسؤولية القانونية لأفعاله وتبعاتها وما يترتب عليها؛ والإفلات من العقاب مرفوض لأن عدم المعاقبة يعتبر ظلما إضافيا، فالظلم يتمثل في عدم محاسبة المجرمين على أفعالهم وهو ظلم إضافي؛ كما يقضي الإفلات من العقاب على عامل الردع المهم لمحاربة الجريمة والحد من ارتكابها وبالتالي نحن نطالب بالحد من الإفلات من العقاب.
ولا شك أنكم تدركون العلاقة بين الفساد والرشوة وحقوق الإنسان، لأن الفساد يمس حقوق الإنسان الأساسية وكل نوع من أنواع الفساد يؤثر بشكل أو بآخر على حقوق الإنسان فمثلا إذا كنا بصدد بناء عشر مدارس وبفعل الرشوة والفساد تقلصت إلى ثلاث مدارس فقط، هنا يكون المساس بحق التعليم وإذا كنا بصدد بناء عدد معين من المستشفيات وتقلص بفعل الفساد يكون المساس بحق الصحة، وهذا ما يؤكد ارتباط حقوق الإنسان بالفساد ارتباطا وثيقا وقد شاركنا مؤخرا في مؤتمر حقوقي في العاصمة الفرنسية باريس حول هذا الموضوع. وخلاصة القول أن الفساد من أخطر الأمراض التي تنخر أجسام الدول وتؤثر بشكل سلبي على كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والقانونية.
*ما هي قراءتكم لملف الفساد المعروض حاليا على التحقيقات القضائية: وهل تعتبرونه يسير سيرا عاديا مع فصل كامل للسلطات؟
**لا يمكننا تقييم عمل العدالة خاصة في هذه المرحلة التي ما زالت فيها هذه القضية في مرحلة التحقيق؛ لكن أملنا أن تتم الأمور بعدالة وشفافية وباحترام تام لحقوق المتهمين.
*يدعي الرئيس السابق انه محصن بالمادة 93 من الدستور ضد أية مساءلة: بصفتكم محاميا ونقيبا سابقا ورجل قانون : ما هي فتواكم في هذه النازلة؟
**موضوع المادة 93 مجرد قراءة قانونية: فهناك بعض القانونيين الذين يرون أن المادة المذكورة تحصن الرئيس ويتمسك بها، بينما هناك آخرون عكس ذلك ولكل من القراءتين من يدافع عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*

code